تأثر التجارة الفوضوية على الوسط الحضري وطرق معالجاتها: دراسة ميدانية لمديرية التحرير بمدينة صنعاء

الملخص

     تهدف هذه الدراسة إلى تشخيص آثار التجارة الفوضوية على التناسق الوظيفي للوسط الحضري وتحليلها، والبحث في طرق معالجاتها في مديرية التحرير بمدينة صنعاء، فهذه التجـارة العشوائية تصنـف ضمـن الظواهـر الاجتماعية والاقتصادية القديمة، لمـا لهـا مـن جـذور ثقافيـة ضاربـة فـي القدم غيـر أن بُعـدها التاريخـي والثقافـي ليـس مرتبطا بخصوصية يمنية قديمة فقط، ففي اليمن الحديث يلاحظ أن أنشطة التجارة الفوضوية كانت في المقام الأول نتيجة لضعـف التجهيـزات الأساسية والخدمـات الاجتماعية، وعجـز الاقتصاد الوطني علـى خلـق فـرص عمل كافية تلبي حاجة المجتمع والطلب المتنامي لتشغيل القوى العاملة، فضلاً عن توالـي مواسم الحروب والتناوب مع فترات يبرز فيها وجود المشاكل السياسية التي مازالت تعصف باليمن أحدثها منذ  ستينيات القرن الماضي وما زالت حتى  الآن، وما ينجم عنها من معانـاة معظم السكان وما تفرزه من فقـر مترافقاً مع قلـة الإمكانيات المتاحة، كلهـا أسـباب دفعت فئـة واسـعة مـن القوى العاملة العاطلين للبحث عـن العمل وخصوصا التوجه إلى قطاع تجارة التجزئة المتجولة في شوارع العاصمة الأمر الذي أدى إلـى ممارسـة التجـارة الفوضوية في مدينة صنعاء، ومنها مركز المدينة وقلبها التجاري محل الدراسة، منطقة التحرير، وقد ترتب على هذه الممارسة مجموعة من المشاكل والاختلالات الحضرية في مديرية التحرير، أهمها التحديات الاقتصاديـة والاجتماعيـة والبيئيـة التي وضعتها أمام الدولـة والمجتمع الحضري بالمديرية.

    إن إحدى النتائج التي توصلت إليه هذه الدراسة هو الإشارة إلى أن التجارة الفوضوية في مديرية التحرير بمدينة صنعاء، آخذة في التنامي والاتساع داخل الوسط الحضري مخلفة مع كل توسع آثارا اقتصادية واجتماعية وبيئية سلبية، حيث أصبحت تشكل عقبة فعلية أمام مسار التنمية وهي من أكبر المعوقات التي تزيد من تعقيد الأزمة الحضرية التي تعيشها المدينة، لذلك فإن هذه الدراسة تناولت تشخيص وتحليل واقع التجارة الفوضوية ومعرفة عواملها وأسباب وجودها، وتقييم مدى انتشارها في المجال الحضري بمديرية التحرير، وإيضاح موقف التشريع اليمني منها، وتحليل خصائص التجارة الفوضوية بهدف تقويض أسسها، والوقوف على الآثار والأبعاد والتداعيـات الاقتصادية والاجتماعية والبيئيـة المترتبة على هذه الممارسة التجـارية، فضلاً عن توضيح أضرارها ومدى خطورتها في ضياع القيمة الجمالية للمدينة، وظهورها بمظهر غير حضاري لا يتناسب مع قيمتها التاريخية والحضارية، لذلك وجب معالجتها وإصلاحها في إطار دمجها بمسار التخطيط والتنمية المتكاملة لوظائف المدينة بهدف الدفع  بعجلة التنمية المحلية بالمدينة.

   تمركزت منهجية الدراسة بشكل أساسي علـى المـنهج الوصـفي التحليلي والكمي بدءاً بجمـع المعلومـات المتـوفرة عـن مدينة صنعاء من التقارير والمصادر الثانوية، بالإضـافة إلـى اعتماد المسـح الميـداني الشـامل لكافة الأنشطة التجارية الفوضوية في مديرية التحرير وتصنيف أنواعها وطرق توطينها وإسقاطها على خرائط المدينة والمديرية باستخدام برنامج  ArcGIS 10.8، إلى جانب معالجة البيانات الإحصائية وإنتاج الجداول والبيانات الرقمية من خلال استخدام برنامج spss، كما تم توظيف المعاينة الموقعية إجراء المقـابلات الشخصـية لملء استمارة الاستبانة المتعلقة بالتجار الممارسين مهنة التجارة الفوضوية لفهم خصائصهم وواقع التجارة الفوضوية التي أدت إلى  اكتساح النسيج الحضري بالمديرية، كما تم إسناد وتوضيح البيانات بالصور المعبرة، ومن هذا المنطلق فقد توصلت الدراسة إلى مخرجات تمثلت بمجموعة من النتائج والمعروضة في متن الدراسة أهمها: أن النسيج الحضري في مديرية التحرير بمدينة صنعاء يعيش - في القرن الواحد والعشرين -حالة من الفوضـى الناجمة عن ممارسة التجارة الفوضوية نتيجة احتلال التجار المساحات العامة المخصصة للاستخدامات الحضرية ضمن مرافق المدينة ومـا ترتب عليه مـن عكس صـورة سـلبية للمـدينة، وانتشار الضوضـاء، وعرقلـة حركـة السير والمـرور، وما تسببه من التلــوث البيئــي، والمنافســة غيــر المتكافئــة مــع القطــاع الاقتصادي المنظــم، وترويــج بضائــع دون المعايير المرغوبة قــد تشــكل خطـورة علـى المسـتهلك، ومآلات هذه الممارسة العشوائية في توسـيع حجـم القطـاع غيـر المنظـم فـي الاقتصاد الوطنـي، مما ينعكس في نهاية الأمر بالسلب على مسار التنمية، وبناءً على النتائج فقد أوصت الدراسة بمجموعة من التوصيات منها تطبيق الحلول العملية المدرجة في متن الدراسة، وهي محاولة تأطير وهيكلة الوضع القائم الغير منظم وضمه إلى التجارة القانونية، وجعلها أحد أساسات التنمية بالمدينة أي التعامل معها باعتبارها إحدى الموارد الاقتصادية المستقبلية للدولة والمجالس المحلية.